الخميس، 7 أغسطس 2008

الحملة القومية لانهاك معارض مصرى

الراية القطرية
الأربعاء6/8/2008 م، الساعة 01:11 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة
بقلم / سليم عزوز
بدت لي الدعاوي القضائية المرفوعة ضد المعارض المصري، وأستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعد الدين إبراهيم لا تُعد ولا تُحصي، فعندما قرأت علي موقع اليوم السابع الالكتروني، وأنا خارج مصر، ان حكما قضائيا صدر بحبسه سنتين، ظننت ان الحكم صدر في البلاغ المقدم من عضو مجلس الشوري نبيل لوقا بباوي، فإذا بي اكتشف عندما انتقلت من العنوان الي المتن، ان الحكم في دعوي أخري أقامها آخرون!.
لتنشيط الذاكرة، فان لوقا المذكور، لم يكتسب عضويته في المجلس سالف الذكر عبر الانتخابات، فهو عضو معين، بقرار رئاسي، وهو الذي فاجأنا ذات صباح بلافتات حديدية محمولة علي خوازيق بشوارع القاهرة، تؤكد ان 9 ملايين مصري يؤيدون الرئيس مبارك لولاية جديدة، وقال في هذه اللافتات انه يهب بيعته للرئيس باسم هؤلاء جميعا.. فلم يحدد كنيسة او مذهبا، وبذلك تفوق علي البابا شنودة ذاته، الذي لا يمكنه ان يتحدث باسم أقباط مصر، وإنما هو ممثل لكنيسته والسلام!.
وغني عن البيان، ان هذه اللافتات الفجة، كانت قبل بداية الحملة الانتخابية، وإذ تقرر زيارة كونداليزا رايس لمصر، فقد تم رفع هذه اللافتات الفضيحة من الشوارع، ولم يدافع لوقا عن بقائها، فقد كان كل ما يعنيه أن يصل لأهل الحكم ما يفيد أنه لا يزال علي العهد، عاشقاً حتي النفس الأخير!.قبل عام بدأت الحملة القومية ضد سعد الدين إبراهيم، حيث قام عدد من رؤساء الأحزاب، متناهية الصغر، بإقامة دعاوي قضائية، تتهم الرجل في وطنيته المتحققة بحكم محكمة النقض، أعلي محكمة في البلاد.. لا يوجد من بين خصوم سعد الدين إبراهيم من يحمل حكما قضائيا يؤكد وطنيته، بيد ان الرجل يحمل حكما بهذا المعني، والحكم هو عنوان الحقيقة كما يقولون. وبعيدا عن الحكم فقد كنا نظن ان التشكيك في وطنية الناس عملية مرتبطة بعصور الاستبداد، عندما كانت الأوطان تتجسد في شخص الحاكم، وعندما يأتي الآن من يتعامل علي انه يحمل صكوك الوطنية ، يمنحها لمن يشاء، ويسحبها ممن يشاء، فنحن إزاء كهنوت جديد، ينبغي ان يتصدي له العقلاء!.
لدينا في مصر أحزاب صغيرة، وأحزاب متناهية الصغر، ليست أكثر من مقر من حجرتين، وصالة، و عفشة ميه ، ومطبخ يتحول أحيانا الي مكتب، وورق كورق الصحف مملوء بالحبر يسمي صحفا تصدر حسب التساهيل، وبعض هذه الأحزاب قامت برفع الدعاوي وتقديم بلاغات للنائب العام، ضد الدكتور سعد الدين إبراهيم، وظننت ان الأمر لا يعد إلا ان يكون إقرارا بالجميل، من قبل رؤساء هذه الأحزاب، علي المنحة المباركة، فهم حصلوا علي الرخص، التي حُجبت عن القوي الجادة في المجتمع، واعتذر عن عدم ذكر أسماء هذه الأحزاب، ذلك بأنني اخشي ان اذكر الأسماء، فتطلب مني الإدارة في الراية ، تحصيل ثمن الإعلان، باعتبار ما نشر دعاية لا يجوز ان تكون بالمجان!.
لكن عندما دخل نبيل لوقا بباوي علي الخط، أيقنت أن الأمر اكبر من ان يعدو تصرفا فرديا الدافع إليه هو إثبات الحب العذري، فهذا الاحتشاد ليس صدفة كما ظننت!.
لقد استندت الدعاوي المرفوعة والبلاغات المقدمة، علي خيانة سعد الدين إبراهيم للوطن، والدليل انه طالب الإدارة الأمريكية بربط برنامج المساعدات، بتحقيق تقدم في مجال الإصلاح السياسي!.علي أيامنا كنا نعتبر ان سياسة تلقي المساعدات في حد ذاتها هي الخيانة، فقبولها كان سببا في ربط القرار السياسي المصري بهوي الإدارة الأمريكية، وكانت المعارضة - علي أيامنا أيضا - تطالب بعدم تلقي هذه المساعدات، فتجوع الحرة ولا تأكل بثدييها!.
لكن الدنيا تغيرت - يا قراء - والموازين اختلت، وصار هناك من يعتبر المساعدات حقاً، وان طلب وقف هذا الحق، او ربطه بأي رابط، إنما يعد خيانة للوطن، تستدعي الحبس، وطلب إسقاط الجنسية المصرية، وكأنها منحة من الحكومة المصرية!.
لقد صار البعض يتعامل بازدواجية في مسألة المنح والمساعدات الخارجية، فلا جناح علي الأنظمة عندما تقبل الصدقات من الخارج، ولكن قبول الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني لها جريمة تسقط الثقة والاعتبار، وتجعل من وطنية المرء أمرا نُكرا!.
وهذه معايير الحكومات، والتي يتبناها بعض الذين تتشكل منهم ظاهرة المعارضة الصوتية، وقد تم سجن سعد الدين إبراهيم من قبل ثلاث سنوات، بتهمة تلقي أموال من الخارج، والنصب علي الاتحاد الأوروبي، ونحن قلوبنا علي اموال الاتحاد الأوربي.. يا حرام، علي الرغم من انه قال انه لم ينصب عليه ولا يحزنون!.وقد كانت هناك حملة ابادة إعلامية ضد سعد، وعلي اعلي مستوي، لكنه خرج من السجن بالحكم السابق لمحكمة النقض، وواصل مسيرته في التأكيد علي الإصلاح.. وعلي طريقته، فهو لا يري بأسا، في الدعم الخارجي، لكنه يطلب ربطه بقضية الإصلاح، وليس في الأمر جريمة، مع الذين لا يرون جريمة في التلقي ومد اليد، لان هذه المساعدات مربوطة بقضايا أخري، فواشنطن ليست جمعية خيرية، توزع الصدقات علي الفقراء والمساكين وابن السبيل. ومن هنا فإن سعد الدين إبراهيم عندما يطالب بما طالب به فإنه ربط المعونة الأمريكية بأنبل قضية!.
وعن نفسي فلست معه ولا معهم، فأنا أري ان تلقي المساعدات ما هو الا شحاتة إفرنجي ، وشحاتة من شحت، يشحت، شحاتة. وشحت يعني تسول!.
ما علينا فلان سعد الدين إبراهيم واصل مسيرة نقد النظام المصري، فقد سولت لهم أنفسهم أمرا، تمثل في إنهاكه، بجرجرته الي المحاكم وجهات التحقيق، وهو أمر شاق ومرهق، ويحتاج منه ان يتعاقد مع مكتب محاماة، يخصص له قبيلة من المحامين مهمتهم تتبع هذه الدعاوي، وهو أمر يحتاج الي نفقات مالية باهظة!.
قبل ربع قرن من الزمان، كتب الكاتب الراحل عبدالرحمن الشرقاوي، مقالا في جريدة الأهرام هاجم فيه صحيفة النور الإسلامية، وكانت وقتها صحيفة وليدة لحزب الأحرار، وقال الشرقاوي إنها تصدر بتمويل إيراني، واجتمعنا في الحزب لبحث الأمر، وتفتق الذهن عن جرجرته الي عموم محاكم القطر المصري، حيث تقرر ان يقوم أمناء الحزب بالمحافظات المختلفة بإقامة دعاوي قضائية ضده، كل أمام محاكم محافظته، استنادا الي ان القانون ينص علي ان المحاكم المختصة - بحسب الاختصاص المكاني - بنظر القضايا، هي تلك التي وقعت الجرائم في نطاقها، و الأهرام توزع في مصر كلها، وبالتالي فانه يجوز رفعها أمام محاكم المحافظات المختلفة المختصة ولائيا!.لو قدر للدعاوي ان تقام، لقضي الشرقاوي ما تبقي من عمره سائحا بين محافظات مصر، ولينتهي به المطاف مجنونا ينظم المرور في شوارع القاهرة، بغض النظر عن براءته، لكن من حسن حظه انه اعتذر، في جلسة ودية بل وكشف عن المصدر الذي أمده بالمعلومات، وهذه جريمة مهنية معتبرة، لكنه معذور!
انا مع دعاوي سحب الجنسية المصرية من سعد الدين إبراهيم، شريطة ان ترفع دعاوي بسحب الجنسية ممن يحصلون علي مساعدات خارجية هي السبب في سعيه الي لي ذراع أهل الحكم بها.
إنهم هم من جعلوا رقبتنا كالسمسة.. من الخجل!
كاتب وصحفي مصريazouz1966@gmail.com

ليست هناك تعليقات: